عبد الوهاب بن علي الشتيوي

Membres

mercredi 7 juillet 2010

أعلام العرب من الأدباء والعلماء

• ابن جنّيّ (عثمان، 942 م ـ 1002م)
نحويّ بصريّ صاحبَ أبا عليّ الفارسيّ، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنّحو والتّصريف، كان صديقًا للمتنبّيّ، له مؤلّفات كثيرة منها: سرّ صناعة الإعراب ـ الخصائص ـ المنصف ـ وشرح ديوان المتنبّيّ، وكتاب التّصريف، وكتاب اللّمع في النّحو.
المرجع: المنجد في اللّغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، الطّبعة 40، 2003، ص6.
• ابن رشد (أبو الوليد محمّد، 1126 م ـ 1198 م)
فيلسوف عربيّ، ولد في قرطبة وتوفّي في مرّاكش، درس الكلام والفقه والشّع ر والطّبّ والرّياضيّات والفلك والفلسفة، قدّمه بن طفيل إلى أبي يعقوب يوسف خليفة الموحّدين سنة 1182، فعيّنه طبيبًا له ثمّ قاضيًا في قرطبة، حاول التّوفيق بين الشّريعة والفلسفة في "فصل المقال فيما بين الحكمة والشّريعة من الاتّصال"، كما دافع عن الفلسفة ضدّ الغزاليّ في كتاب "تهافت التّهافت" ردًّا على كتاب الغزاليّ "تهافت الفلاسفة"، له شروح كثيرة على أرسطو، وقد سمّاه فلاسفة الغرب "الشّارح".
المرجع: المنجد في اللّغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، الطّبعة 40، 2003، ص8.
• ابن رشيق القيروانيّ
(أبو علي الحسن، ت نحو 1071 م)شاعر وناقد، لازم بلاط المعزّ بن باديس في القيروان، وكان بينه وبين ابن شرف منافسه وأهاجي شهيرة، رافق الأمير الزّيريّ إلى المهديّة إبّان الغزو الهلاليّ، ثمّ رحل إلى صقليّة بعد وفاة أميره، أهمّ آثاره "العمدة في صناعة الشّعر وآدابه ونقده".
المرجع: المنجد في اللّغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، الطّبعة 40، 2003، ص8.
• ابن سينا (أبو عليّ، 980 م ـ 1073 م)
فيلسوف وطبيب وعالم من كبار فلاسفة الإسلام وأطبّائهم، عُرف بالشّيخ الرّئيس، ولد في أفشنة قرب بخارى، وتوفّي بهمذان، تعمّق في درس فلسفة أرسطو، وتأثّر بالأفلاطونيّة المستحدثة، قال بفيبض الله عن العالم كما فعل أفلوطين، وله ميول صوفيّة عميقة برزت في "الحكمة الشّرقيّة" وهي عبارة عن فلسفته الشّخصيّة، من مؤلّفاته: القانون في الطّبّ ـ الشّفاء ـ النّجاة ـ الإشارات والتّنبيهات، وله في النّفس قصيدة مشهورة مطلعها:
هبطت إليك من المحلّ الأوقع ورقاء ذات تعزّز وتمنّع
المرجع: المنجد في اللّغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، الطّبعة 40، 2003، ص9.
• ابن منظور
لغويّ مصريّ، تولّى قضاء طرابلس الغرب، اشتهر بمعجمه الضّخم "لسان العرب" الذي يُعدّ إلى اليوم أهمّ قاموس لغويّ عند العرب.
المرجع: المنجد في اللّغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، الطّبعة 40، 2003، ص9.
• أبو العتاهيّة (إسماعيل بن القاسم، 748 م ـ 825 م)
شاعر مكثر، سهل الأسلوب، نشأ في الكوفة، كنّي بأبي العتاهيّة لميله إلى المجون والتّعتّه، اتّصل بالمهديّ والهادي، وكانت له منزلة عالية عند الرّشيد، له ديوان شعر أغلب في الزّهد.
المرجع: المنجد في اللّغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، الطّبعة 40، 2003، ص20.
• أبو تمّام (حبيب بن أوس الطّائيّ، 788 م ـ 845 م)
شاعر عبّاسيّ نشأ في دمشق ورحل إلى بغداد وتوفّي في الموصل، مدح الخلفاء لاسيّما الخليفة العبّاسيّ المعتصم بالله، امتاز بخياله الواسع، إلى اتّهم شعره بالغموض، أهمّ آثاره "ديوان الحماسة" الذي ضمّنه در الشّعر العربيّ في الحماسة حتّى عصره ـ ديوان شعر متعدّد الأغراض.
المرجع: المنجد في اللّغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، لبنان، الطّبعة 40، 2003، ص17.

samedi 16 mai 2009

طه حسين

ما انفكّت البشريّة تنجدب أعلام الثّقافة والعلم والفكر الذين خلّدوا أسماءهم في التّاريخ بأحرف من ذهب، وذلك لما قدّموه من إنجازات، حقّقت للبشريّة التّقدّم، وحقّقت لهم الذّكر على امتداد التّاريخ الإنسانيّ الطّويل، إنّ هؤلاء الأعلام جنّدوا عقولهم واستثمروا أفكارهم، وخصّصوا حياتهم لخدمة الإنسانيّة في كلّ مكان وزمان دون أنء ينتظروا جزاءً ماديًّا، بل إنّهم لم يكونوا يفكّرون إلاّ في تحقيق المصلحة الجماعيّة، وإنّ المتصفّح لكتاب التّاريخ ليجد أمثلة كثيرة تجعل الإنسان فخورًا بهم، ومستفيدًا من أعمالهم الخالدة في الأدب والفكر والعلم، كما أنّ هؤلاء الأعلام الأفذاذ لا يرتبطون في ما أنجزوا بعصر أو بأمّة باعتبار أنّهم كانوا مؤمنين بأنّ الأدب والعلم والفكر مكوّنات ومنجزات تتجاوز حدود التّاريخ والجغرافيّا، كما تتجاوز الحدود العرقيّة والدّينتيّة، ومن هؤلاء الأعلام يمكن أنْ نذكر الأديب العربيّ العالميّ طه حسين.فكيف كانت صفات طه حسين؟ وما هي المنجزات التي ساهم في تخليدها، وبها نفع أمّته والبشريّة؟ينحدر طه حسين من بيئة قرويّة مصريّة ضعيفة البنية الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، ومن عائلة كثيرة عدد الأفراد، محدودة الإمكانيّات الماديّة، وممّا زاد في ضعفه أنّه أصيب بالرّمد في طفولته ففقد بصره بعد أنْ عالجه حلاّق القرية علاجًا رعوانيًّا ذهب ببصره، وأدخله حياة الظّلمة. ثمّ دخل إلى كتّاب القرية وحفظ القرآن في التّاسعة من عمره، ولم يمنعه عماه من أنْ يكون طموحًا يطارد العلم في كلّ مكان، ويتوق إلى أنْ يصبح صاحب شأن وقامة عالية في العلم والفكر، فرحل مع أخيه الأكبر إلى القاهرة لينضمّ إلى الأزهر وتعلّم العلوم الشّرعيّة، لكنّ هذا العلم الأزهريّ لم يرق له، ووجد شيوخًا غير أكفّاء لأنْ يكون قدورة له، فهم متخلّفون في تفكيرهم وطرقهم العلميّة رغم عظمة العلوم التي يدرّسونها، فانفصل من الأزهر لينضمّ إلى الجامعة المصريّة حين فتحت أبوابها في بداية القرن العشرين، ومن هناك انطلق إلى أوروبّا في أوّل بعثة علميّة، وفي فرنسا انفتح له أبواب العلم على مصاريعها، وتعرّف إلى الأنوار، وبدأ يشعر بأنّه بدأ فعلاً يقاوم محنة العمى، ويطرد إحساسه بالنّقص والضّعف.وعاد إلى مصر بدكتوراه في التّاريخ المعاصر، وانضمّ إلى أسرة التّدريس في الجامعة المصريّة الفتيّة، وبدأت أفكاره وكتبه تشغل النّاس، وتزعزع الأرض تحت أقدام التّقليديين. ومن أهمّ ما ألّف كتابيه في الشّعر الجاهليّ والأدب الجاهليّ اللّذين يثبت فيهما أنّ الأدب الجاهليّ فيه كثير من التّزوير والتّحريف والنتحال، ودعا العرب إلى إعادة قراءة أدبهم القديم، وتنقية الأصيل من المزوّر، كما ألّف كتاب ّعلى هامش السّيرةّ الذي يسلّط فيه الأضواء على السّيرة النّبويّة المجيدة الطّاهرة، ويُبرز عظمتها في التّاريخ البشريّ، ويدافع عن الإسلام والمسلمين تجاه الأقاويل الغربيّة، فكثير من المستشرقين (علماء غربيّون درسوا الثّقافة العربيّة) يتّهمون الإسلام بالعنف، ويجعلون دين غزو وسبي، ويعتبرون الحضارة العربيّة الإسلاميّة حضارة سيف وقتل، كما ألّف كتاب ّمستقبل الثّقافة في مصرّ الذي يدعو فيه إلى تعصير التّعليم والاستفادة من العلوم الغربيّة الحديثة، معتبرًا أنّ التّعليم أساس التّقدّم، وهو الحجرة الأساسيّة بالنّسبة إلى ثقافة أيّ أمّة تنشُد التّقدّم والتّطوّر، ويثبت أنّ على العرب أنْ يطوّروا التّعليم لكي يتمكّنوا من تحقيق النّهضة المنشودة. وقد استفاد كثير من العلماء والمفكّرين من آراء طه حسين في هذا الكتاب.ويمكن أنْ نذكر رواياته وقصصه التي تحضّر دائمًا على التّضحيبة والكفاح والصّبر من أجل خلق التّفوّق، وطرد الضّعف عن الإنسان فردًا ومجموعة.ولا يمكن أنْ نغفل في النّهاية كتابه ذا الأجزاء الثّلاثة "الأيّام" وهو فصول من سيرته الذّاتيّة منذ الطّفولة حتّى بلوغه سنّ الكهولة وعودته إلى مصر من فرنسا، وفي هذه السّيرة الذّاتيّة يؤرّخ لحياته الشّخصيبّة المليئة ضعفًا وعجزًا، وصبرًا وكفاحًا، ونضالاً وعزيمةً، واحتياجًا واكتفاءً، وطموحًا وعملاً وإنجازًا، ولعلّ العرب اليوم لا يذكرون طه حين المتوفّى سنة 1973 إلاّ باعتباره علمًا كبيرًا من أعلام الفكر والأدب، ومن مشاهير الإنسانيّة الذين يجب أنْ نفتخر بهم، ونجعلهم قثدوة ومثلاً أعلى لكي نبلغ أقصى درجات المجد، ونكفّ عن الاقتداء بأشباه المشاهير الذين نراهم اليوم في شاشات التّلفيزيون، والذين يساهمون في تشويه سمعة العرب والمسلمين بما يقدّمون من بساطف في التّفكير، ومن تعدّيهم على الحُرمات الأخلاقيّة والقيميّة.

lundi 11 mai 2009

الحماسة في الشعر العربي القديم



عبدالوهاب الشتيوي
تدريب على التّحليل الأدبي / قصيدة مدحيّة للمتنبّي
ّالمقدمة المقدمة العامة
م1ـ لقد ارتبطت الحماسة في الشّعر العربيّ منذ الجاهليّة بالحروب تصويرًا وتحريضًا وتحفيزًا وتباهيًا وثلبًا وتشهيرًا، لرصد الصّفوف وتعبئة الجيوش والقضاء على الأعداء، ولمّا ظهر الإسلام أصبحت دعوة لنشر الدّين الجديد وتوحيد العرب تحت راية واحدة، ودعوة لفرض البطولة والتّسلّح بالشّجاعة، ونشر الأعداء في ساحات الحرب، وقد اكتملت عناصر الشّعر الحماسيّ مع أبي تمّام، ثمّ مع أبي الطّيّب المتنبّي الذي صيّرها ملامح يُخلّدها التّاريخ باللّسان بعد أنْ خلّدها القائد بالسّيف...
م2 ـ ليست الحماسة من المواضيع الشّعريّة التي أُستُحدثت في العصر الإسلاميّ، بل إنّها موضوع قديم ظهر في الشّعر الجاهليّ وارتبط بالحروب القبليّة، وكان العرب يدمجونها في مدحيّاتهم وفخريّاتهم ومرثيّاتهم ومهجيّاتهم، غير أنّ شعراء العصر العبّاسيّ من أمثال البحتريّ وأبي تمّام والمتنبّي، استطاعوا تطوير أساليبها الفنيّة، وتعميق معانيها بجعلها جامعة بين الدّينيّ والاجتماعيّ والقيميّ والحربيّ، إلى أنْ قيل إنّها اقتربت من فنّ الملحمة الذي اختصّ به اليونانيّون القدامى...
م3 ـ لعلّ الأوضاع السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة التي عاشها العرب المسلمون في القرنين الثّالث والرّابع حيث استشرى الخلاف بين القادة السّياسيين، وظهر التّفكّك بين الأقاليم، وانبعث دويلات صغيرة في كلّ ناحية، وكثرت هجمات الأعداء من الرّوم والفرس، دفعت شعراء الحماسة إلى التّمسّك بكلّ حاكم يسعى إلى رأب الصّدع، ولمّ الشّمل، وإعادة الاعتبار إلى أمّة كانت منذ زمن قريب سيّدة الزّمان والمكان، فنسجوا قصائد تمجّدهم وتدعوا الأنصار إلى الالتفاف حولهم لمعاضدتم وإنجاح حملاتهم القوميّة والدّينيّة....المقدمة الخاصة تنزيل النصّ: بذكر مناسبته (خروج سيف الدّولة لنصرة أخيه ناصر الدّولة في حربه مع الدّيلميّ).الموضوع يمدح المتنبّي سيف الدّولة بإبراز قدراته الحربيّة الخارقة، وإعلاء شأنه أمام أعدائه المهزومين.أقسام النص 1 ـ البيت الأوّل: مطلع حكميّ تحفيزيّ.2 ـ من البيت 2 إلى البيت التّاسع: صورة سيف الدّولة الحربيّة.3 ـ البيت العاشر: نتيجة النّصر (تحقيق السّعادة)الاشكاليّات ـ كيف افتتح الشّاعر قصيدته؟ وما علاقته بنفسيّة الشّاعر وبموضوع الحماسة؟ـ ما هي الصّورة التي أخرج فيها سيف الدّولة؟ وما هي الأساليب التي اعتمدها؟ـ علام ركّز الشّاعر في مدحه سيف الدّولة؟ وما قيمة ذلك في تحقيق البعد الحماسيّ في النّصّ؟الجوهر بنية النصّ بني النصّ على ثلاثة أقسام، فقد انطلق الشّاعر بمطلع حكميّ تحفيزيّ هيّأ به الممدوح والمتقبّل عامّة للافتخار بقيم البطولة والقوّة والشّجاعة لأنّها الأداة الضّامنة لمجد الممالك، وألحقه بقسم مدحيّ حماسيّ خصّ به الممدوح سيف الدّولة الذي يُترجم حقًا حكمة الشّاعر على أرض الواقع، ثمّ ختم بقسم استنتاجيّ بيّن فيه أنّ هذا الممدوح المتمسّك بالسّيف لغة، والقوّة والشّجاعة مبدأ، ضمن السّعادة لأمّته، وهو موفّق في اختياراته سواءً قصد الشّيء أم نواه، ونلاحظ من خلال هذه البنية مخالفة الشّاعر أوّلا لبنى القصائد التّقليديّة، ثمّ نرى مدى التّآلف بين الأقسام والوحدة العضويّة بينها، فالحكمة أفرزت مدحًا لتجلّياتها في الممدوح، وأعقبت سعادة في الأمّة والأنصار. تحليل عنصر الإيقاعـ الإيقاع الخارجي: البحر والرّويّ والتّصريع.ـ الإيقاع الدّاخليّ: الظّواهر الصّوتيّة مثل الجناس والتّرديد والاشتقاق والطّباق (الإيقاع المعنويّ)
تحليل المطلع (القسم1) ـ استكره الشّاعر المطالع التّقليديّة التي دأب عليها الشّعراء في العصر الجاهليّ، والشّعراء المقلّدون في العصر الإسلاميّ، واختار المخالفة بتجاوز الطّلل والنّسيب، واستبدالهما بمطلع حكميّ تحفيزيّ، يناسب موضوع الحماسة، واللّحظة الشّعريّة، والمقام الحربيّ، وذلك لكي يعبّر عن قيمة الإنجاز التّاريخيّ الذي حقّقه ممدوحُه سيف الدّولة، إذ نصر أخاه على عدوّه الدّيلميّ، وألحق بالعدوّ الهزيمة النّكراء في البصرة، ومن شأن هذا المطلع أنْ يمجّد سيف الدّولة، ويبرز مآثره الحربيّة، ويضمن له الدّعاية السّياسية، كما أنّ هذا المطلع يؤثر القوّة والشّجاعة، ويدعو إلى التمسّك بالسّيف أداة لمحاورة الأعداء، كما أنّ المتنبّي افتخر بجيش الممدوح لأنّ تحفّزه للقتال كان شبيهًا باشتهاء المحبّين القبل من الأحبّة أثناء اللّقاء، وفي ذلك صورة طريفة تحقّق الخلود الفنّي للشّاعر، والخلود السّياسيّ للممدوح، ومن شأن الحكمة أنْ تُخرج التّجربة من الإطار الفرديّ إلى الإطار الجماعيّ، وتجعلها حقيقة تارخيّة قابلة للتّكرار كلّما توفّرت الظّروف المواتية نفسُها...تحليل القسم
2 ـ اللّغة: ـ الجمل الفعليّة (بغى، تتلو، يجعل، يلقى، يعود، أغذّ..) التي تبيّن كثرة أفعال الممدوح وجيشه، وكثرة الحركة والأحداث والوقائع...ـ الجمل الخبريّة التي تنقل أحداثًا تاريخيّة حقيقيّة ثابتة، وقد راوح الشّاعر بين الخبر الابتدائيّ (تتلو، يلقى..) والخبر المؤكّد (قد أغذّ..)، كما راوح بين الإثبات والنّفي، فالإثبات تعلّق بالممدوح إيجابًا، والنّفي تعلّق به من أجل نفي السلبيّ عنه (غير مفتخر، غير محتفل..)، كما تعلّق بالعدوّ لسلبه القيم الإيجابيّة وإبرازه في الصّورة السلبيّة المهينة...ـ التّركيز على المسند إليه الرّئيسيّ سيف الدّولة، وجعله فاعل الأفعال، ومحرّك بقيّة الفاعلين (تتلو أسنّته، الباعث الجيش، تركت جمعهم..)ـ جعل الأفعال في صيغة المضارع ليبرز أنّ أفعال الممدوح غير منقضية، ولا تتعلّق بالماضي فحسب، وإنّما هي أفعال دائمة بدوام حكمه، مستمرّة باستمرار حروبه وانتصاراته...ـ المعاجم: المعجم السّياسيّ: الأمير، الملوك، الكتب، الرّسل) ـ المعجم الحربيّ (الرّماح، الخيل، الإبل، أسنّته، الجيش، عجاجته، الأعداء، الحروب) ـ المعجم الدّينيّ (فتح) ـ المعجم القيميّ: العزيمةوالإرادة (بغى شيئًا فقرّبه) ـ القوّة والشّجاعة والتّحديّ (يلقى الملوك ولا يحفل بهم) ـ السّطوة (يفتك بالأعداء ويفتكّ الغنائم) ـ التّخطيط والتنفيذ (الباعث الجيش) ـ الصّبر والقدرة على القتال (الأعداء لا يصيبونه بالملل) ـ حسن التّدبير والتّفكير (لا تصاب آراؤه بالخطإ) ...ـ البلاغة: الطّباق والمقابلة من أجل إبراز المفارقة بين الممدوح إيجابًا، والعدوّ سلبًا، فبين سيف الدّولة وعدوّه فوارق بيّنة، وهي فوارق بين قائد حكيم قادر، وعدوّ مهزوم يُعِدّ الجيش ليكون غنيمة في أيدي جيش الممدوح...ـ الصّورة الشّعريّة: ـ تتأسّس الصّورة في الشّعر العربيّ القديم على التّشبيه والاستعارة والكناية، وإنْ كان الشّعر الجاهليّ ينزع نحو التشبيه بكثرة لقرب الإنسان الجاهليّ من التّفكير الحسّي المحدود، فإنّ الشّعر في العصر العبّاسيّ خاصة أصبح يعوّل على الاستعارة والكناية دون أنْ يُهمل التّشبيه: ـ التّشبيه (مثل، كالطّفل) ـ الاستعارة (جعل الرّماح والخيول والإبل محقّقة رغبات الممدوح، وأسنّة الرّماح قارئة الكتب، وملوك الأعداء لحمًتا ملقى للسّباع، خيال الممدوح يجري في دماء الأعداء، يستشعر الممدوح نشوة المخمور)..ـ نشوء الصّورة من معينين، الأوّل يتعلّق بالمبالغة والتّضخيم، والثّاني يتعلّق بالطّرافة، فمن المبالغة جعل الأمير ممسكًا بكلّ شيء في الدّولة وفي ساحة الوغى بنفسه، وهو يحارب الملوك كلّهم لا ملكًا واحدًا، وهو المنتصر عليهم جميعًا، وهم يسلّمون أنفسهم إلى السّباع، ويسلّمون عدّتهم له غنائم، ويرسل جيشًا عرمرمًا عظيم العدد والعدّة، يحوّل ضوء النهار إلى آخره بسبب ما يثير من غبار وأتربة، ورغم كلّ هذه الحروب فهو لا يصل إلى مرحلة الملل، كما لا يتبلّد ذهنه فيخطئ في أحد القرارات، بل إنّه يفرّق الأعداء عن أرضهم، ويحطّ فيها رجاله وبني قومه، وتتضخّم الصّورة أكثر حين يصبح خيال هذا الممدوح شبحًا يطارد الأعداء ويجري في دمائهم، فيصيبه بالنّشوة الشّبيهة بالنّشوة التي يجدها شارب الخمرة الثّمل، وتصبح الصّورة بهذا المعنى نازعة نحو الأسطورة ليصبح الممدوح كائنًا أسطوريًّا لأنّه كائن خارق للعادة، يحارب جمعًا لا فردًا وينتصر، وتتحوّل الحماسة مع المتنبّي إلى ملحمة تاريخيّة ينجزها البطل الحربيّ بالسّيف والخيل، وملحمة شعريّة ينجزها هو بالقرطاس والقلم.ـ والطّرافة تكمن في جعل الصّور المرتبطة بالعنف والتّقتيل والتّرهيب صورًا جميلة مستحبّة بالنّسبة إلى المتقبّل، فما كان يُنفّر أصبح يقرّب، وتلك القيمة الجماليّة لشعر المتنبّي..ـ المعاني الحماسيّة ارتبطت بالحرب، وارتبطت بقائد ميدانيّ يخطّط ويدبّر ويجهّز وينجز، فينتصر، وقد كفّ الممدوح في هذا الشعر المدحيّ الحماسيّ عن أنْ يكون مجرّد حاكم يجلس في بلاط ويطلق الأوامر، إنّه لم يعد ممدوحًا كريمًا يعطي المال، بل أصبح ممدوحًا كريمًا يبذل بالجسد، ويضحّي بالنّفس والنّفيس، ويحافظ على الكرامة لصيانة العرض والأرض، والذبّ عن حمى الأمّة والدّين، والذّود عن الرّاية التي أصبحت هدفًا لكلّ الأعداء التّاريخيين والجغرافيين... تحليل القسم 3 ـ إبراز أهميّة العنصر الأخير باعتباره قفل القصيدة، وآخر ما سيبقى في الذّهن، ما سيعلق بالنّفس، فقد جعل الشّاعر منجزات الممدوح محقّة للسّعادة الدّينيّة والدّنيويّة، والاجتماعيّة والسّياسيّة والنّفسيّة، وهذه السّعادة تحقّقت بأفعاله الخارقة، ومنجزاته العظيمة، ثم إنّه يذكّره بكونه موفّقًا في الحرب والسّلم (مرتحلاً أو غير مرتحل) ليعود إلى المدح العاديّ اليوميّ باعتبار انتهاء الواقعة، واستراحة المحاربين، وترجّل الفرسان...الخاتمة التأليف إبراز أهمّ الاستنتاجات التي يوصل إليها التّحليل، من ذلك التّكامل بين أقسام النصّ، وقدرة الشّاعر على إخراج الممدوح في أبهى صورة من أجل التّمجيد والتّحفيز وكسب التّأييد والحصول على المال.التّقويم إبراز قيمة النصّ الفنيّة في علاقته بشعر الحماسة، وباعتبار موقعه من شعر أبي الطيّب، وخاصة في المرحلة السّيفيّة، والتّأكيد على القيمة الجماليّة والوثائقيّة لشعر الحماسة، ثمّ التّنصيص على أنّ شعر الحماسة لا يعكس الواقع التّاريخيّ كلّه، بقدر ما يعكس الواقع الذّهنيّ والتّخييليّ الذي عاشه الشّاعر في علاقته بممدوح وجد فيه نفسه، وجسّد فيه أحلام أمّة تبحث عن مجدها الضّائع...

mardi 3 juin 2008

تقويم الدرس

إنّ من أوكد المهمات التي يجب أن يوليها الأستاذ عناية كبرى هي تقويم الدرس بعد إنجازه مع المتعلمين، أي أن يحاسب نفسه قبل أن يحاسبه غيره، ولذا فمن الضوري أن يخصص حيّزًا زمنيًّا يرى فيه ردود أفعال المتعلمين نحو الدرس، إن كانت إيجابيّة أو سلبيّة، فيحتفظ يالإجابي منها ويضيف إليها ما أمكن له، ويحاول قدر جهده تجاوز السلبيات والهنات ومواطن الضعف، وعليه أن لا يشعر بأي حرج تجاه ذلك، بل إنّ من شروط العمل العلمي والتعليمي أساسًا الإنصات إلى الآخرين وأخذ ملاحظاتهم مأخذ الجدّ، فالمدرس باحتكاكه بالآخرين يجدد أساليبه التعليمية، ويعدل مبادئه التربوين، ونظرته إلى التمدرس عامة، كما عليه أن يكون واثقًا من أن التجربة مع المتعلمين والإنصات إلى ملاحظاتهم تكون مثمرة بالضرورة، بل إنّ الخبرة العلمية تحتاج إلى الخبرة العملية، واكتساب المهارات الدراسية تكون دائمًا وفق مبدإ التجربة والخطإ، والتعديل والتغيير والإصلاح، وما خاب من استشار، بل إنّ ابن المقفع يقول: "إن صاحب الرأي يزداد بالمشورة رأيًا، ثمّ يمكن للمدرس أنْ يكلف المتعلّمين بإنجاز تصوّرات أخرى لسير الدرس يرونها أصلح وأفيد، وبالتالي فهو بهذه الطريقة يصيب مجموعة من الأهداف، أولها أنّها يوفر لنفسه فرصة النظر إلى نفسه من خلال الآخرين وتقويمها، ثمّ الحرص على التجديد والإصلاح والتغيير، ويقرب المتعلمين منه ويجعل أساس العلاقة المودة والاحترام، ثمّ يشيع بين المتعلمين مبدأ ديمقراطيّة التعلم، وتوفير هامش من حرية الرأي والاعتقاد والتفكير والتعبير في فصله. ولعل كل ما نقوم به وما نستند إليه في تجربتنا التدريسية قد دعا إليه كلّ علماء التربية الحديثة، والذين أرادوا أنْ تكون المدرسة فضاءً رحبًا للحوار، وموردًا للتزوّد بالعلم والمعرفة، وتحقيق التّوازن العاطفي، والرقي الاجتماعي، وتعميق العلاقة بين المتعلم والمعلم والمؤسسة التعليمية، ونقضي على فكرة المدرسة/ السجن، وفكرة المدرس/ السجّان، وفكرة المتعلّم/ السّجين. ونقضي على البؤس المتوفر في مدارس العالم الثالث، ونحقق النقلة النوعية لتعليم الغد، مدرسة الغد تتأسّس على الحوار والاحترام والحرية والفعل المسؤول والتخلّص من التواكل والسلبيّة.

المنزع العلمي لدى الجاحظ


عبد الوهاب الشتيوي معهد الحبيب ثامر بصفاقس ـ توتس




I ـ أسس المنهج العلمي لدى الجاحظ:




تعدّدت وسائل المعرفة لدى الجاحظ وتنوعت واختلفت لبلوغ الغاية العلمية، فكان لجوءه إلى الملاحظة والمعاينة والاستقراء والحواس والتجريب والعقل والشكّ والنّقد والدّحض ورفض السّائد من الأفكار المنتشرة بين النّاس.




1 ـ الملاحظة: عُرف الجاحظ بفضوله الكبير وتطلّعه العميق إلى المعرفة وسبر أغوار المجهول، لذلك كان دقيق الملاحظة متشدّدًا في المعاينة، عميق إعمال البصر والبصيرة، حتى إنّه كان إذا وصف لك شخصًا رسمه أمامك شخصًا حقيقيًّا لا ينقصه إلا اللسان والحركة، وكان يطمئن كثيرًا إلى الملاحظة والمعاينة المباشرتين، فكل أمر "يكذّبه العيان فهو أفحش خطأً، وأسخف مذهبًا، وأدلّ على معاينة شديدة، أو غفلة مفرطة". ولم يكن سلبيًّا في معايناته ومشاهداته، أي إنّه لم يكن ينتظر المصادفات لكي يعمل نظره ويلاحظ الظاهرة، وإنما كان يفتّش عن الأمر ويسعى إليه، فيأخذ مثلاً حيوانًا ويشرّحه وينظر فيه ليلاحظ مكوّنات أعضائه ووظائفها، حتى قال: "لا تشفيني إلا المعاينة". ومن أمثلة معايناته ومشاهداته الشّخصيّة المباشرة ملاحظته خروج بيضة الطّائر من الجانب العريض وهو عكس ما اعتقد النّاس من خروج الرّأس أوّلاً، وتأمّله تأمّل سلوك النّمل واستنتاجه قائلاً: "لم نرَ ذرّةً [أي نملة] قطّ حملت شيئًا أو مضت إلى جحرها فارغةً، فتلقاها ذرّةٌ إلاّ وافقتها وأخبرتها بشيء، فدلّ ذلك على أنّها في رجوعها عن الجرادة إنّما كان لأشباهها كالرّائد لا يكذب أهله". (الحيوان، ج6، ص 18). كما وصف وصفًا دقيقًا الحمام وعلاقة الأنثى بالذّكر وكيفيّة إنشاء العشّ، ووضع البيض ورعايته والتّداول على حضانته، ثمّ رعاية الفرخ وتعهّده بالطّعام شيئًا فشيئًا إلى أنْ يشتدّ عوده فيفطمانه عنوةً حتّى يعتمد على نفسه، ويعجب الجاحظ من تحوّل تلك العاطفة الجيّاشة إلى جفوة وهجر، فيقول: "فسبحان منْ عرّفهما وألهمهما وهنّأهما وجعلهما دلالة لمن استدلّ ومخبرًا صادقًا لمن استخبر، ذلكم الله ربّ العالمين". (الحيوان). وعن الطّير أيضًا تحدّث عن الطّيور المهاجرة وعودتها إلى أوطانها بعد مضيّ وقت معيّن من السّنة، واستغرب من قدرتها على معرفة أوطانها دون تمرين أو تدريب، ولذلك فرّق بين هذه الطّيور التي تدرك المسيرة والهجرة والعودة بالفطرة، وبين الحمام الزّاجل الذي يتلقّى تعليمًا لكي يتعلم القيام بإيصال الرّسائل بين الأماكن والأشخاص، وأدرك أنّ عالمي الإنسان والحيوان متشابهان من حيث وجود المعرفة الفطريّة الحسيّة والمعرفة العقليّة المكتسبة، وهذا القول يتناغم مع آرائه الاعتزاليّة التي تقول بوجود الوحي الفطري الكائن في أصل الإنسان، والعقل المستمدّ من عمل الحسّ مع الفكر والرّؤية والبحث والتّبصّر وهو المتأتّى من التّعلّم والتّدرّب. 2 ـ الحواس: أدرك الجاحظ قيمة الحواس التي خلقها الله عز وجل لنا، فهي أدوات للمعرفة وإدراك حقائق الأشياء في الكون، وهي مجعولة لغاية: "التمييز بين المضار والمنافع والجيد والرديء والملذّ والمؤلم". و"لولا تمييز المضار من المنافع والرديء من الجيد بالعيون المجعولة لذلك، لما جعل الله عزّ وجلّ العيون المدركة". والحواس خمس وهي: البصر والسمع والشمّ والذّوق واللّمس. لكنّه لم يطمئنّ بعد ذلك إلى الحواس إيمانًا نهائيًّا مطلقًا لأنّه وجدها عاجزة عن تقديم الحقائق دائما، إضافة إلى أنّها تخدع الإنسان وتجعله يتوهّم أشياء ليست حقيقيّة بالمعنى العلمي، فيقول: "ولعمري إنّ العيون لتخطئ، وإنّ الحواس لتكذب، وما الحكم القاطع إلاّ للذّهن، وما الاستبانة الصّحيحة إلاّ للعقل، إذ كان لزامًا على الأعضاء، وعيارًا على الحواس". ومن ذلك تأكّد أن القيمة الكبرى هي للعقل. 3 ـ العقل: لئن رأينا الجاحظ يثق بالحواس ويؤمن بدور الملاحظة وجدوى المعاينة والمشاهدة الفعليتين، إلا أنه لم يكن مطمئنًّا لهما كل الاطمئنان، فحاول إيجاد طريقة معرفية أنجع وأثبت، وسبيلاً علمية أثبت، وكانت الضّالة في "العقل" الذي بوّأه مكانة أعظم من مكانة الأداتين المعرفيتين السابقتين، فقد تأكّد له أنّ الملاحظة قد تخدع، والمعاينة قد تكون قاصرة لأن الإنسان لا يتمكّن من رؤية أيّة ظاهرة من كل الجوانب والزّوايا مهما يجتهد، وقد تكون استنتاجاته في هذه الحالة قاصرة، وقد يقع تحت طائلة الوهم، فيقول: "فلا تذهب إلى ما تريك العين، واذهب إلى ما يريك العقل، وللأمور حكمان: حكم ظاهر للحواس، وحكم باطن للعقول، والعقل هو الحجة". وقد حذّر الإنسان من الاغترار بالمعارف القائمة على الحسّ والمعاينة فقط، لأنّ الله عزّ وجلّ بوّأ الإنسان المكانة الكبرى وميّزه عن سائر المخلوقات بالعقل دون غيره، أما سائر المكونات فيشترك فيها مع سائر الحيوانات والبهائم، كما توجد لدى المجانين والمغفّلين، فيقول في هذا الصدد: "والذي صيّر الإنسان إلى استحقاق قول الله عزّ وجلّ: {وسخّر لكم ما في السّماء وما في الأرض جميعًا} ليس هو الصورة، وأنه خلقه من نطفة، وأن أباه خلقه من تراب، وأنه يمشي على رجليه، ويتناول حوائجه بيديه، لأنّ هذه الخصال كلّها مجموعة في البله والمجانين، والأطفال المنقوصين. والفرق الذي هو الفرق، إنمّا هو الاستطاعة، والتّمكّن من وجوه الاستطاعة، وجودة العقل والمعرفة". وبناءً على العقل بلغ الجاحظ مرحلة الشك التي هي أساس التفكير العقلي لديه، وأساس المعرفة العلمية السليمة . 4 ـ الشك: هو مرحلة يكون فيها الباحث متردّدًا بين حالتي الإثبات والنفي، أو القبول والإنكار، فلا يصرّح بحكمه إلا بعد إعمال عقله وطرح المسألة المدروسة وتقليب وجوه النظر فيها، وافتراض أمر ما ثمّ إجراء الاختبار عليه للتّأكّد من صحّته وصوابه أو خطئه وبطلانه، ويولّد الشكّ في الإنسان الباحث الحيرة والتردّد ويبعده عن السلبيّة والتّسرّع في إصدار الأحكام، ويدفعه إلى أن يكون فاعلاً في بحثه، غير مكتف بتقبل النتائج التي أقرها غيره من الباحثين، غير مسلّم بكل ما يقال من حوله، وليس الشك أمرًا سلبيًّا كما يرى بعضهم بل هو ايجابي نافع باعتباره أداة للبحث وطريقًا للمعرفة، كما أنّ له أصولاً وقواعد تجعله شكًّا علميًّا نافعًا لا شكًّا مرضيًّا قاتلاً، ولقد حثّ الجاحظ على الشكّ الفلسفي والعلمي لأنّه منْ لم يشكّ لم يظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في العمى والحيرة كما يرى الغزالي الذي عرف الله لأنّه شكّ بوجوده فبحث فأثبت وجوده بدلائل ثابتة بالنسبة إليه، لا بالوراثة والتسليم، ويقول الجاحظ: "اعرف مواضع الشكّ وحالاتها الموجبة لها، لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة له، وتعلم الشكّ في المشكوك فيه تعلمًا، فلو لم يكن ذلك إلاّ تعرّف التّوقّف ثم التّثبّت، لقد كان ذلك ممّا يحتاج إليه". (الحيوان، ج6، ص10). وهو متأثّر بقول أستاذه إبراهيم النظّام شيخ المعتزلة الذي يقول: "الشّاكّ أقرب إليك من الجاحد، ولم يكن يقين قط حتى صار فيه شك، ولم ينتقل أحد من اعتقاده إلى اعتقاد غيره حتى يكون بينهما شكّ". ويرى الجاحظ أن الشكّ درجات ومراتب في القوّة والضّعف بحسب طبيعة الفرد وظروف تكوينه ونشأته ومعرفته، وبحسب ثقافته ودرجة إدراكه ووعيه، فالعوام أقل شكوكًا من الخاصة لأنهم يميلون إلى التسليم والتصديق والاطمئنان ويفزعون من الحيرة والشكّ والتفكّر، وذلك لقلة قدراتهم النقدية، وخوفهم من متاهات الشكّ حتى أنهم يصدقون ـ إضافة إلى الثقافة النقليّة ـ الخرافات والأساطير والمعتقدات الباطلة، ولكنّه كما حذّر من السلبيّة والتّصديق المباشر، حذّر من كثرة الشكّ الذي لا يصل بصاحبه إلى يقين أبدا، فالشك بالنسبة إليه إما أن يوصل إلى برّ الأمان، وبرد اليقين وإلاّ فإنه يصبح ضارًّا بصاحبه ومؤدّيًا إلى ضياع التفكير والأفكار، وقد يصل الأمر بالمرء إلى مذهب "اللاأدريّة"، وقد روى لنا في "الحيوان" حوارًا بين شخصين أحدها كثير الشكّ والآخر كثير اليقين، لكنّ الأوّل افتخر بشكّه في مواطنه الواجبة، وافتخر الثاني بيقينه في مواطنه الواجبة، أيْ أنّ الشكّ واليقين واجب كل منهما في موضعه المناسب، فيقول: "ولما قال أبو الجهم للمكي: أنا لا أكاد أشك، قال المكي: وأنا لا أكاد أوقن. ففخر عليه المكي بالشكّ في مواضع الشكّ، كما فخر عليه أبو الجهم باليقين في مواضع اليقين". واعتمد الجاحظ الشكّ في معارفه فتناول الخبر مثلاً وأعمل عقله في السند ليبين قوته أو ضعفه وناقش صدق صاحبه وتاريخيّته والتقاءه بمن رووا عنه، وقلّب المتن وأمعن النّظر في منطقيّته ومدى قربه من العقل والمعقول، وبحث عن امكانيّة إيجاد قرائن فيه تثبت غرابته وخرافيّته، فإمّا أن يحكم له بالصحّة أويحكم عليه بالبطلان، ولم يكن يخشى في البحث عن الصحّة والمنطقية اسم أحد من العلماء والمفكّرين مهما يعلو شأنه حتى أنّه وقف من أستاذه النظّام ومن الفيلسوف اليوناني أرسطو موقف النّاقد الرّافض لبعض أقوالهما، فقد عاب على النظّام قلّة تحرّيه فيما يقيس عليه، وتسرّعه في الجزم في المسائل الأصليّة قبل التّثبّت". أمّا عن أرسطو فيقول: "وقد سمعنا ما قال صاحب المنطق من قبل، وما يليق بمثله أن يخلّد على نفسه في الكتب شهادات لا يحقّقها الامتحان ولا يعرف صدقها أشباهه من العلماء". ومن بين الأمثلة التي نقد فيها أرسطو قوله إنّ طائرًا كبيرًا يسمى باليونانية "أعيتوليس" يجلب قشّ عشّه من بلاد الصين، وإذا كان الجاحظ غير قادر على التأكّد من صحة الخبر أوبطلانه فإنّه يكتفي بالقول: "وأرى جوازه موهوبًا غير مستحيل، إلا أنّ قلبي ليس يقبله [..] والله هو القادر دون خلقه، ولست أبتّ بإنكاره، وإن كان قلبي شديد الميل إلى ردّه، وهذا ممّا لا يعلمه الناس بالقياس، ولا يُعرف بالعيان الباهر، والخبر المتظاهر". وشكّك الجاحظ بالمعتقدات الفاسدة فرفض الخرافة والأخبار التي تروي الخوارق والظّواهر غير المألوفة، وتصدّى لمروّجي هذه الأباطيل لأنّهم لا خير يرجى منهم، فهم يستغلّون ضعف العامّة وجهلها وقلّة معارفها العلميّة السّليمة ويحقّقون مآرب شخصية من وراء هذه الخرافات، مثل السّحرة والمتطبّبين الذين يستغلون محن الناس وأمراضهم ليربحوا المال، وهؤلاء الدجّالون الأدعياء ـ وهم كثيرون في عصره ـ قد شكّلوا تيّارًا معارضًا للتيّار العلمي والفلسفي النّقدي الذي يُعدّ الجاحظ من أهمّ مؤسسيه. ولقد جعله إيمانه بالدور الخطير الذي يلعبه العقل متشددًا في الاستنتاجات والمقرّرات مهما تقدّم الحواس من مزايا، وجعله متشكّكاً لا يبلغه برد اليقين بسرعة، معارضًا بعض من سبقه في العلم حتى أنّ الفلاسفة اليونانيين وعلى رأسهم "أرسطو" لم يسلموا من معارضاته ونقده، فقد عاب على أرسطو تسليمه بالرّأي العامّي القائل: إنّ إناث العصافير تعيش أكثر من الذّكور دون تقديم الدّليل، بل إنّ يأخذ قوله في بعض الحيوانات فيسأل أصحاب الخبرة من المتعاملين معها، فقد وجد أرسطو يقول بوجود حيّة ذات رأسين فاتّجه إلى أحد الأعراب سكّان البوادي العارفين بأمور الحيّات والثّعابين والأفاعي وسأله "فزعم أنّ ذلك حقّ، فقلت له: فمن أيّ جهة الرّأسين تسعى؟ ومن أيّهما تأكل وتعضّ؟ فقال: فأمّا السّعي فلا تسعى، ولكنّها تسعى إلى حاجتها بالتّقلّب كما يتقلّب الصّبيان على الرّمل، وأمّا الأكل فإنّها تتعشّى بفم وتتغذّى بفم، وأمّا العضّ فإنّها تعضّ برأسيها معًا، فإذا به أكذب البريّة". (الحيوان، ج4، ص52). كما عارض أدعياء العلم في عصره لأنه رآهم يثقون ببعض الخرافات والأساطير والسّخافات التي لا تدل إلا على سذاجة في التفكير، ومنها هذا الخبر الذي يرويه في "الحيوان" ويكذّبه، فيقول: "وقال الآخرون [..] ليس في الأرض نمرة إلا وهي تضع ولدها وفي عنقه أفعى في مكان الطوق، وذكروا أنها تنهش وتعضّ، ولا تقتل، ولم أكتب هذا لتقرّ به، ولكنّه رواية أحببت أن تسمعها، ولا يعجبني الإقرار بهذا الخبر، وكذلك لا يعجبني الإنكار به، ولكن ليكن قلبك إلى إنكاره أميل". ولعلّ الجاحظ لهذا الأمر كان دقيق النّظر في الأشياء صارمًا في استخدام العقل حكمًا في العلم مهما تكن الظاهرة المدروسة صغيرة حقيرة، فيقول: "و لو وقفت على جناح بعوضة وقفة معتبر، وتأملته تأمل متفكر، بعد أن تكون ثاقب النظر، سليم الآلة، غواصًا على المعاني، لا يعتريك من المعاني إلا حسب صحة عقلك". 5 ـ التّجربة: لمّا كان الجاحظ مؤمنًا بدور العقل في إقرار الحقائق العلميّة وإثباتها، واعتماد الشكّ في كلّ الظّواهر الطّبيعيّة، وما يتّصل بها من أقوال وأفكار وأحكام، والدّعوة إلى المعاينة (الملاحظة) المباشرة، والاستناد إلى الحواس دون الاطمئنان إليها كليًّا لأنّ الحواس خطّاءة، ومعارفها نسبيّة، ولمّا لم يكن يثق بأيّة معارف قائمة على السماع، وتناقل الأقوال، فقد آمن إيمانًا كبيرًا بالتّجربة، ودورها في بلوغ الحقائق العلميّة، وتوسيع دائرة المعارف، والانتقال من الجهل إلى المعرفة، أو من العلم بالسّماع إلى العلم بالعيان والتّجريب، وإيمانه بدور التجربة متأتٍّ أيضًا من كثرة الأباطيل والخرافات والأساطير التي يروّجها الجهلة الأغبياء، والمشعوذون الأدعياء الذين يجدون في جهل النّاس ومصائبهم تحقيقًا لمصالحهم، وإيمانه بالتّجربة جعله ينقد العلماء الذين يعدّون حجّة علميّة في زمانهم من أمثال أرسطو والنظّام، فعن "أرسطو" شكّك بقوله بأنّ ولد الفيل يلد نابت الأسنان لطول مكوثه في بطن أمّه، ورأى أنّ قلبه لا يقبل مثل هذا القول لعدم تحقّقه منه بنفسه، وعن أستاذه النظّام يرى أنّه لا يستوفي الحديث عن الحيوان الذي يبحث فيه، ويتسرّع في إقرار الحكام. ومن تجارب الجاحظ أنّه كان يسقي الحيوانات الخمر ليرى نتائج ذلك، ويجري تجارب على ذكر النّعام ليعرف كيف يبتلع الجمر والحجارة والحديد والزّجاج والمسامير، ومن الأمثلة الطّريفة وضعه في برنيّة من زجاج عشرين عقربًا وعشرين فأرًا ليرى ما تفعل العقارب بالفئران، وقد دحض بالتّجربة كثيرًا من أقوال النّاس الزّائفة، مثل قول النّاس بأنّ الأفاعي تكره ريح السّذاب الشّيح، فجرّب وقال: "أمّا أنا فإنّي ألقيت على رأسها وأنفها من السّذاب ما غمرها، فلم أجد على ما قالوا دليلاً. وكان يربّي بعض الأشجار والحيوان ليراقبها مراقبةً مباشرةً دائمةً، ويصدر أحكامه عن خبرة وتجربة سليمة، كما كان يسأل أهل المهن وأصحاب الصّناعات، ليعلم منهم مقدار حقيقة ما يروّج النّاس من أقوال وأفكار، فكان يذهب إلى الفلاّحين والجزّارين والحوّائين والبحّارين ويسترشد بهم في ما كان يشغله. ولم يكن الجاحظ يحتقر أمرًا أو حيوانًا أو شخصًا يأخذ عنه المعرفة، فالحيوان مهما تكن درجة صغره فهو مؤكّد لوجود الخالق وحكمته، والشّخص مهما تكن مهنته وعلمه فيمكن الأخذ منه ثمّ إقرار ذلك أو رفضه، "والجاحظ لم يكتب ما كتب إلاّ بعد الدّرس الطّويل، والخبرة الواسعة، وبعد أنْ عانى من الأبحاث ما عانى، وما رأيك في رجل أحاط بأكثر ما كان في أيدي عصره من ثقافات ومعارف، ولم يحتقر شيئًا يدخل في باب العلم والثّقافة، ولم يستنكف أن يأخذ من صغار النّاس كما كان يأخذ من كبارهم.. كلّ ذلك في عصر كان النّاس فيه يؤثرون السّماع من الأسانيد الأخذ عن الروّاة، ويفضّلون ذلك على مطالعة الأسفار، وقراءة دواوين العلم". (عبد المنعم خفاجي، أبو عثمان الجاحظ، ص 180، 181). II ـ مقاصد المنزع العلمي لدى الجاحظ: 1 ـ المقصد العلمي: المساهمة في القضاء على المعارف القائمة على الخرافات والأباطيل والأساطير والأوهام والأفكار الهدّامة، والتي تعجز النّاس وتعطّل المجتمع عن التّزوّد بالمعارف العلميّة السلّيمة، والحثّ على تحقيق التقدّم العلمي بالأخذ من السنّة والقرآن، وتأكيد ما ورد لدى العلماء الحقيقيين من أفكار علميّة سليمة، وإقرار النّظريّات العلميّة بالاستناد إلى العقل والملاحظات والتّجارب المباشرة. 2 ـ المقصد الاجتماعي: محاربة الخرافات وأفكار المشعوذين الذين يستغلّون جهل النّاس وبؤسهم ومصائبهم، والتّخفيف من سيطرة الفكر الخرافي على المجتمع العربي الإسلامي، وتحقيق التّقدّم الاجتماعي بالعلم، والتّقريب بين الطّبقات الاجتماعيّة بالعلم، لأنّ الجاحظ وجد الخاصة مالكة للعلم، والطّبقة العامة بعيدة عنه، غير متمكنّة منه لجهلها وفقرها. 3 ـ المقصد الدّيني: الدّفاع عن المعتقدات الدّينيّة بالعلم الصّحيح والمعارف الطّبيعيّة السّليمة، وتأكيد ما جاء في القرآن و السنّة من آراء وأفكار علميّة متّصلة بعالم الطّبيعة، وتأكيد وجود الخالق من خلال مخلوقاته، وتأكيد حكمته من كلّ ما خلق، والحكمة هي مبحث هام لدى المفكّرين العرب المسلمين، وهي غاية خطيرة من غايات البحث العلمي لديهم، فالمفكر العربي المسلم يرجع الظّواهر الطّبيعيّة كلّها في النّهاية إلى الخالق. 4 ـ المقصد الفكري: الدّعوة إلى تجديد الفكر العربي الإسلامي، والكفّ عن الفكر التّقليدي والسّماعي، والإيمان بقدرة الأسلاف على تجديد الفكر، وعدم الانحصار في ما ترك الخلف، والإيمان بأنّ الفكر العلمي البشري مشروع قابل للتّجدّد باستمرار. 5 ـ المقصد الأخلاقي: يؤمن الجاحظ بمبادئ المعتزلة ومنها "الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر" ولذا فهو يرى أنّ من واجبه القيام بتنوير العقول، وتقديم الأفكار العلميّة الصّحيحة، ومحاربة الخرافة "لتحسين المعاش والمعاد"، أي إنّه يرى أنّ عليه واجبًا أخلاقيًّا لا بدّ أنْ يقوم به تجاه المجتمع.

"مغامرة رأس المملوك جابر"

"مغامرة رأس المملوك جابر"
المكوّنات الفنيّة، والواقف التّوعويّة
1 ـ تأطير الحصّة:
هذه الحصّة هي الأخيرة في برنامج عملنا المتعلّق بدراسة أثر مسرحي عربي حديث وهو مسرحيّة "مغامرة رأس المملوك جابر" للكاتب السّوري سعد الله ونوّس، وبعد أنْ كنّا قد شرحنا مجموعة من النّصوص التي مكّنتنا من تكوين فكرة شاملة عن هذا الأثر المسرحي، وعن اتّجاه ونّوس في الكتابة المسرحيّة متأثّرًا بالكاتب الألماني "برشت" ومتجاوزًا أصول المسرح اليوناني كما حدّدها "أرسطو"، كما أدركنا مظاهر التّغريب المتعلّقة بالشّكل الفنّي، ومظاهر التّسييس المتعلّقة بالجانب المضموني والدّلالات التي أراد المؤلّف تبليغها إلى القارئ عبر العرض المسرحي الطّريف، فنحن اليوم سنحاول مع بعضنا بعضًا الإلمام بكلّ المسائل المدروسة، وتحديدها في جدول بياني، ييسّر علينا عمليّة التّلخيص والتّأليف، ثمّ عمليّة المراجعة والاستعداد إلى الامتحان الوطني، وسنرسم جدول مقسّمًا إلى واديين كبيرين فنحدّد في الوادي الأوّل مكوّنات النصّ الأصلي وهو المتعلّق بالنصّ التّاريخي المستقى من سيرة الظّاهر بيبرس، ونحدّد في الوادي الثّاني مكوّنات النصّ الفرعي الذي أنتجه ونّوس ولمّح به إلى طرق قراءة ذلك النّصّ الأوّل المختلفة، ونقصد به النصّ المعاصر، فلنبدأ عملنا مع التّأكيد على ضرورة مساهمة كلّ الأفراد في العمل، واحترام مبادئ العمل الجماعي، واحترام الآراء، والإنصات الجيّد إلى التّدخّلات وإمكانيّة التّعليق عليها أو الإضافة إليها، أو تعديلها، كما يُستحسن أنْ يكون التّدخّل مشفوعًا بالشّواهد النصيّة حتّى تكون الفكرة واضحة جليّة مقنعة:
2 ـ الإنجاز الجماعي:
المكوّن
النصّ الأصلي
النصّ الفرعي
الموضوع
الصّراع بين الوزير والخليفة حول السّلطة ـ موقف العامة والخاصة من الصّراع ومن أوضاع بغداد ـ لا مبالاة جابر بالصّراع وعواقبه ـ خشية منصور من العواقب ـ موقف عامة بغداد السّلبي من الأحداث الجارية في بلدهم بغداد ـ اهتمام الرّجل الرّابع بالحدث ومطالبته العامة باتّخاذ موقف إيجابي ـ استعانة الخليفة بحكّام الولايات ـ فرض ضريبة على العامة وغلاء الأسعار ـ فرض الحراسة على بغداد ـ تخطيط الوزير للاستعانة بالفرس ـ تقديم المملوك جابر خطّة للوزير لإخراج الرّسالة من بغداد ـ وعد الوزير بتحقيق طموحاته (زمرّد والثّروة والمنتصب) ـ حلق الشّعر وكتابة الرّسالة على رأس جابر ـ إرساله إلى بلاد الفرس ـ العامة يتحاورون حول واقعهم المرير ـ مواصلة الرّجل الرّابع اختلافه عنهم ـ وصول جابر إلى بلاد الفرس ـ قراءة الرّسالة ـ تجهيز الجيش لغزو بغداد ـ قطع راس جابر كما طلب الوزير ـ الهجوم على بغداد وإحداث المأساة العامة فيها.
الزّبائن في المقهى يتناولون الشّاي والقهوة والنّرجيلة ـ في انتظار قدوم العمّ مونس الحكواتي المسامر ـ يطالبونه بسرد سيرة الظّاهر بيبرس لما فيها من بطولات وأمجاد ـ العمّ مونس يسرد قصّة المملوك جابر الذي حمل أمر قتله فوق رأسه ـ تفاعل الزّبائن 1، 2، 3 مع المملوك جابر وإعجابهم بذكائه ـ اختلاف الزّبون 4 عنهم ـ تأسفهم لمصير جابر ـ الشّعور بالملل من هذه القصّة الدّراميّة ـ مطالبتهم العمّ مونس بسيرة بيبرس اللّيلة القادمة، وإلاّ فهم لنْ يأتوا إلى المقهى مجدّدًا.
الزّمان
في القرن السّابع للهجرة.
القرن العشرين
المكان
بغداد ـ قصر الخليفة ـ ديوان الوزير ـ شوارع بغداد ـ أمام الفرن ـ في السّجن ـ في أحد بيوت البغداديين الجياع ـ في الصّحراء نحو بلاد الفرس ـ في بلاد الفرس ـ في السّجن ـ أمام المقصلة.
ـ في المقهى ـ في الرّكح.
الشّخصيّات
الخليفة ـ عبد الله أخوه ـ الوزير ـ عبد اللّطيف ـ المماليك جابر ومنصور وياسر ـ عامة بغداد: الرّجال 1، 2، 3، 4، النّساء 1، 2 ـ رجل جائع وزوجته وابنه الرّضيع ـ زمرّد ـ الحراس ـ الفرّان ـ ملك الفرس منكتم بن داود ـ ابنه هلاوون ـ السيّاف لهب.
القهوجي أبو محمّد ـ الحكواتي ـ الزّبائن 1و2و3و4.
نمط الخطاب
الإشارات الرّكحيّة ـ الحوار
السّرد ـ الإشارات الرّكحيّة ـ الحوار
المؤثّرات
المرئي والمسموع: وأصوات الجنود وحوافر الخيل وأصوات الأبواب والأسلحة وأصوات صياح أهل بغداد، ومشاهدة الممثّلين ينجزون المشاهد على الرّكح.
المرئي والمسموع: كلام الحواتي والغناء والموسيقى وتمثيل الزّبائن للمشاهد..
المواقف
ـ الصّراعات السّياسية الضيّقة بين أهل السّياسة، والانشغال بها عن إدارة شؤون الرّعيّة ـ السّياسة أداة لتحقيق المصالح الشّخصيّة (الثّروة والجنس) ـ موقف الحكّام من المحكومين (التّهميش والتّشييء وإنكار حقّهم في المشاركة السّياسيّة الفاعلة) ـ أحوال المجكومين بين الظّلم والعدل السّياسي (الدّيمقراطيّة) والعدل الاجتماعي (تحسين مستوى العيش، وعدم فرض الضّرائب المجحفة) ـ موقف العامة من الصّراعات السّياسيّة الدّائرة بين السّاسة وأصحاب النّفوذ: الغالبيّة لا تهتم ولا تكترث وتطلب السّلامة وتدّعي أنّها توجد في الخوف (شعار من يتزوّج أمّنا نناديه عمّنا وفخّار يكسر بعضه بعضًا ـ الاستعانة بالقوّات الأجنبية لتحقيق المصالح السّياسيّة ـ رفع شعار عدوّ عدوّي صديقي ـ السّياسة والذّات قبل الوطن ـ تحميل المواطن العربي مسؤوليّات جسيمة ودعوته إلى التخلّص من النّظرة الضيّقة للواقع...
التّناقض بين موقف الزّبائن 1و2و3 وموقف الزّبون 4 ـ الموقف الأوّل معجب بجابر منبهر بذكائه مدّعيًا أنّه خير ما يفعل حين يتعايش مع عصره ويحقّق مصالحه الفرديّة الضيّقة بالخديعة والكذب وبيع الذمّة والوطن والأهل وأولي الأمر ـ ثمّ حزنوا لموته واتّهموا الوزير بالخداع والكذب والتّآمر عليه ـ الحكواتي يحاول التّأثير في السّامع لجعله يتّخذ موقفًا ما (تبشيع صورة الوزير) أو مباغتة أفق انتظار المتقبّل (مأساة جابر) ـ الزّبون 4 يدعو إلى الفهم والتّبصّر وإدراك حقيقة الواقع، وحقيقة الأشياء، يدعوهم إلى اتّخاذ الموقف السّليم من جابر، وعدم التّعاطف معه، فمأساته هي مأساة الشّعب العربي المستكين.
3 ـ ملاحظة:
يمكن للأستاذ أنْ يسلّم المتعلّمين وثيقة مكتوبة بعد إنجاز العمل الجماعي
.

vendredi 30 mai 2008

فلسفة التّدريس

إنّ المدرّس الذي ينشد النّجاح في مهنته الشّاقة الممتعة لا بدّ أنْ يحمل فلسفة خاصة به تحدّد أهدافه وترسم خطواته وتوضّح توجّهاته ومبادئه، إنّ أوّل مبادئ هذه الفلسفة بالنّسبة إليّ أنْ يضع المدرّس في اعتباره أنّه موظّف يختلف عن بقيّة الموظّفين جميعًا، بل عليه أنْ لا يعتبر نفسه موظّفًا ضمن مؤسّسة يؤدّي فيها دورًا موكولاً إليه ويتقاضى عليه أجرًا، إنّه صاحب رسالة نبيلة، فهو يتعامل مع كائنات إنسانيّة في طور التّكوين، وتحتاج إليه لمساعدتها على تحصيل العلم والعرفان، وترويض النّفس، وتأهيل الذّات، وترشيد السّلوك، ويكفي أنْ نذكر قول الشّاعر:
قف للمعلّم وفّه التّبجيلا ــــــــــــــــ كاد المعلّم أنْ يكون رسولا
وعليه فالمدرّس لا بدّ أنْ يدرك أنّ مهنته تتطلّب حسن الاستعداد والتّنظيم، وحسن الإنجاز، والتّعامل مع المتعلّمين، فتكون نظرته إلى المتعلّمين خالية من مركّبات النّقص أو التّفوّق، أو الاستعلاء، قادرًا على الإحاطة بهم نفسيًّا وتربويًّا، ومساعدتهم معرفيًّا، وعليه أنْ يضع في اعتباره أنّ العلاقة الجيّدة مع المتعلّمين أساسها التّواضع في مواقعه، والمعرفة الدّقيقة في محالها، والاحترام المتبادل بين الطّرفين وإنْ كان وضع المدرّس معرفيًّا أرقى وأرفع. كما على المدرّس أنْ يؤمن أنّ المتعلّم أمانة في قسمه وضعتها فيه الدّولة، ومكّنه منها المجتمع، وعليه أنْ يحترم هذا الدّور فيقدّم كلّ ما يجب في عمله ويحترم دوره ويساعد أولئك المتعلّمين على تحصيل المعارف والعلوم، ثمّ يهيّء لهم الجوّ المناسب للتّمدرس، فلا عنف ولا تعنيف ولا إرهاب ولا ترهيب، كما لا تسامح في غير محلّه مع المخطئين والذين لا يحترمون قوانين العمل الجماعي، وعادات المدرسة التّونسيّة، ثمّ إنّه لا بدّ أنْ يبتكر كلّ الوسائل الممكنة لتقريب المتعلّمين منه ومن مادته وبرامجها المقرّرة في مناهج التّعليم، ثمّ إنّه لا يكلّفهم بما يتجاوز قدراتهم و لا يراعي أوقاتهم وظروفهم الدّراسيّة، وعليه أنْ يختار الأوقات المناسبة للتّكليف بالأعمال، كأنْ تكون بعد أسبوع من تلك الحصّة، والاطّلاع على ما كُلِّفوا به في المواد الأخرى ما أمكن له ذلك.
وأخيرًا يمكن أنْ نشير إلى أنّ المدرّس ستعترضه مشاكل كثيرة سواءً كانت مدرسيّة أو تقنيّة أو سلوكيّة تربويّة، وما عليه إلاّ أنْ يهيّء نفسه جيّدًا لذلك، وأنْ يخلق حصانة تحميه من الارتداد أو الملل أو الاستهتار والعزوف عن العمل، لأنّ المشوار طويل، وهو شاق، ولكنْ يمكن أنْ نجعله ممتعا شيّقًا باستمرار، لا سيّما إذا تحقّقت النّتائج الطيّبة تعليميًّا وعلائقيًّا، وسرّ النّجاح في هذه الفلسفة سعة العلم والبال معًا.