عبد الوهاب بن علي الشتيوي

Membres

vendredi 30 mai 2008

فلسفة التّدريس

إنّ المدرّس الذي ينشد النّجاح في مهنته الشّاقة الممتعة لا بدّ أنْ يحمل فلسفة خاصة به تحدّد أهدافه وترسم خطواته وتوضّح توجّهاته ومبادئه، إنّ أوّل مبادئ هذه الفلسفة بالنّسبة إليّ أنْ يضع المدرّس في اعتباره أنّه موظّف يختلف عن بقيّة الموظّفين جميعًا، بل عليه أنْ لا يعتبر نفسه موظّفًا ضمن مؤسّسة يؤدّي فيها دورًا موكولاً إليه ويتقاضى عليه أجرًا، إنّه صاحب رسالة نبيلة، فهو يتعامل مع كائنات إنسانيّة في طور التّكوين، وتحتاج إليه لمساعدتها على تحصيل العلم والعرفان، وترويض النّفس، وتأهيل الذّات، وترشيد السّلوك، ويكفي أنْ نذكر قول الشّاعر:
قف للمعلّم وفّه التّبجيلا ــــــــــــــــ كاد المعلّم أنْ يكون رسولا
وعليه فالمدرّس لا بدّ أنْ يدرك أنّ مهنته تتطلّب حسن الاستعداد والتّنظيم، وحسن الإنجاز، والتّعامل مع المتعلّمين، فتكون نظرته إلى المتعلّمين خالية من مركّبات النّقص أو التّفوّق، أو الاستعلاء، قادرًا على الإحاطة بهم نفسيًّا وتربويًّا، ومساعدتهم معرفيًّا، وعليه أنْ يضع في اعتباره أنّ العلاقة الجيّدة مع المتعلّمين أساسها التّواضع في مواقعه، والمعرفة الدّقيقة في محالها، والاحترام المتبادل بين الطّرفين وإنْ كان وضع المدرّس معرفيًّا أرقى وأرفع. كما على المدرّس أنْ يؤمن أنّ المتعلّم أمانة في قسمه وضعتها فيه الدّولة، ومكّنه منها المجتمع، وعليه أنْ يحترم هذا الدّور فيقدّم كلّ ما يجب في عمله ويحترم دوره ويساعد أولئك المتعلّمين على تحصيل المعارف والعلوم، ثمّ يهيّء لهم الجوّ المناسب للتّمدرس، فلا عنف ولا تعنيف ولا إرهاب ولا ترهيب، كما لا تسامح في غير محلّه مع المخطئين والذين لا يحترمون قوانين العمل الجماعي، وعادات المدرسة التّونسيّة، ثمّ إنّه لا بدّ أنْ يبتكر كلّ الوسائل الممكنة لتقريب المتعلّمين منه ومن مادته وبرامجها المقرّرة في مناهج التّعليم، ثمّ إنّه لا يكلّفهم بما يتجاوز قدراتهم و لا يراعي أوقاتهم وظروفهم الدّراسيّة، وعليه أنْ يختار الأوقات المناسبة للتّكليف بالأعمال، كأنْ تكون بعد أسبوع من تلك الحصّة، والاطّلاع على ما كُلِّفوا به في المواد الأخرى ما أمكن له ذلك.
وأخيرًا يمكن أنْ نشير إلى أنّ المدرّس ستعترضه مشاكل كثيرة سواءً كانت مدرسيّة أو تقنيّة أو سلوكيّة تربويّة، وما عليه إلاّ أنْ يهيّء نفسه جيّدًا لذلك، وأنْ يخلق حصانة تحميه من الارتداد أو الملل أو الاستهتار والعزوف عن العمل، لأنّ المشوار طويل، وهو شاق، ولكنْ يمكن أنْ نجعله ممتعا شيّقًا باستمرار، لا سيّما إذا تحقّقت النّتائج الطيّبة تعليميًّا وعلائقيًّا، وسرّ النّجاح في هذه الفلسفة سعة العلم والبال معًا.

توصيف الدّرس

سندباد الأدب
jeudi 29 mai 2008


تعتبر الحصّة الأولى التي يلتقي فيها الأستاذ مع تلامذته في بداية السّنة الدّراسيّة حصّةً تأسيسيّة، فعليها يُبنى برنامج العمل الذي يسعى إلى السّير على منواله طوال تلك السّنة، مع التّعديل والتّحسين كلّما تطلّب الأمر ذلك، لاسيّما وأنّ العمليّة الدّراسيّة ليست عملاً محنّطًا متحجّرًا، بل إنّ الأستاذ ليجد نفسه مضطرًّا باستمرار إلى إعادة النّظر في مسائل عديدة، وذلك نظرًا لمستوى القسم الذي يدرّسه، أو بعض التّلاميذ المتميّزين أكثر من غيرهم، والتّلاميذ الذين هم في درجة أقلّ من زملائهم ويحتاجون إلى عناية خاصة، وإلى برنامج عمل خصوصي، فالأستاذ يحتاج إذنْ إلى ضرورة التّعرف إلى أولئك المتعلّمين الذين يجلسون أمامه منتظرين التّعرّف إلى ملامح هذا الكائن البشري والتّعليمي والمعرفي الذي سيتعاملون معه هذه السّنة، ويطلبون منه الإضافات والإفادات، ويريدون التّعرّف إليه من قريب، ويجمعون عنه معلومات إنْ كانوا لا يعرفونه، أو يختبرون المعلومات التي يعرفونها عنه من زملائهم السّابقين، ولكي يكوّن الأستاذ فكرة أوّليّة عن تلاميذه في الحصّة الأولى فهو يسأل كلّ واحد منهم عن اسمه ولقبه ومقرّ سكناه ووالديه ووظيفتيهما، ويمكنه أنْ يسأله عن الأستاذ الذي درّسه المادة المعنيّة في السّنة الماضية، ومستواه العلمي فيها، ولابدّ أنْ يقترب من مكان جلوس التّلميذ حتّى لا يشعره بالتّعالي والتّفوّق الاجتماعي ولكنْ مع المحافظة على الأدوار الطّبيعيّة والالتزام بآداب التّعامل التي يفرضها قانون المؤسّسة التّعليميّة، وعادات المجتمع وعاداته التّربويّة والسّلوكيّة، والإبقاء على لباقة التّعامل وبيداغوجيا التّواصل مع الآخر، والأخذ بعين الاعتبار المرحلة العمريّة التي يمرّ بها ذلك المتعلّم، ومن الضّروري أيضًا أنْ يكوّن الأستاذ فكرة أوّليّة عن المستوى الاجتماعي للتّلاميذ حتّى لا يحرج ذوي الامكانيّات المحدودة ببعض الطّلبات التي لا يقدرون عليها، كأنّ يكلّفهم بإنجاز بحوث على الكمبيوتر واستخراج الوثائق من الأنترنات.كما أرى أنّ الأستاذ لابدّ أنْ يشعر التّلاميذ بالأمان وهم معه في حصّته لاسيّما وأنّ المسيرة ستكون طويلة نسبيًّا معهم، فهم سيقضّون معه تسعة أشهر كاملة، كما لابدّ عليه أنْ ينبّههم إلى آداب التّعامل التي يجب الحفاظ عليها حتّى يُحترم الدّرس ويصان المدرّس وتُقدّر المدرسة حقّ قدرها خاصة في هذا العالم المتغيّر الذي بدأت فيها القيم تتشكّل تشكّلاً جديدًا، لا بدّ للمدرّس أنْ لا يظهر أمام تلاميذه في صورة الدّيكتاتور الذي لا يؤمن إلاّ بسلطته، وينفّذ القوانين المدرسيّة بحذافرها، ولا يتجاوز بعض الأخطاء والهفوات إنْ أمكن له تجاوزها، وهو الجدّي الحازم الذي لا يسمح بابتسامة أو ضحكة عابرة أو التفاتة أو تعليق ما في غير محلّه، أو تأخّر تلميذ عن موعد بدأ الحصّة، أو عدم إنجاز أحدهم الواجب المدرسي المكلّف به، لابدّ أنْ يكون الأستاذ ليّنًا ما أمكنه ذلك دون أنْ يفقد هيبته واحترام المتعلّمين له، ويجب أنْ ينبّههم إلى أنه سيغضّ النّظر عن بعض تصرّفاتهم حبًّا لهم واحترامًا لكيانهم البشري ومراعاة لظروفهم الاجتماعيّة والنّفسيّة ومرحلتهم العمريّة والذّهنيّة، فالأستاذ يمكن أنْ يقبل قدوم تلميذ ما متأخّرًا عن موعد بدأ الحصّة بعشر دقائق لأنّه يدرك مشكلة المواصلات في مدننا في الصّباح، دون أنْ تصبح تلك عادته كلّ يوم. كما على هذا المدرّس أنْ يحذر الظّهور أمام التّلاميذ في صورة الشّخص الذي لا يولي القوانين الاجتماعيّة والمدرسيّة والتّربويّة أيّ اعتبار، وهو المتساهل مع الجميع على الدّوام، لأنّ ذلك من شأنه أنْ يعطي للتّلاميذ فكرة مغلوطة عنه شخصيّة الأستاذ، وسيستهينون به وبمادته وبالبرامج الدّراسيّة التي ينجزها، بل لعلّ بعض التّلاميذ يرونه مازحًا غير جدّي، متسيّبًا غير حازم، لاهيًا غير مهتمّ بوظيفته، إنّ عليه في هذه الحصّة الأولى أنْ يشعرهم أنّه سيكون صديقهم وعونهم وسندهم في كلّ شيء إذا ما قدّروا ذلك، كما يمكن أنْ يكون الجلاّد إذا لم يُحكموا آليّات التّعامل معه، وحاولوا التّطاول وتجاوز آداب التّعامل وفروقات الدّرجات العلميّة والعمريّة.ثمّ وبعد الخطوة السّابقة الذّكر والتي أعتبرها مهمّة جدًّا يعطي فكرة عن محتوى المادة، وفروعها ومحاورها المختلفة، والطّريقة التي سيعتمدونها في التّعلّم وتحصيل المعارف، ويشير إليهم بضرورة أنْ يكونوا المساهم الأوّل في العمليّة التّعلّميّة (L’aprantissage)، لأنّ التّعليم في المدرسة الحديثة لم يعد قائمًا على مدرّس يُلقي المعارف ومتعلّم يتلقّى ويستهلك ثمّ يعيد ما تعلّم يوم الاختبار، ولم يعد أنجب النّجباء هو ذلك الذي يحسن إعادة المادة كما أُلقيت عليه، ولم يعد أحسن الأساتذة هو ذلك الذي يملك زادًا معرفيًّا أكثر من غيره، إنّ أحسن الأساتذة اليوم وحسب تجربتي في المعاهد الثّانويّة وفي مناطق مختلفة ومع مستويات تعليميّة متنوّعة، ومستويات اجتماعيّة متعدّدة هو ذلك الشّخص الذي يُحسن التّعامل مع كلّ أصناف المتعلّمين ومن مختلف الشّرائح، كما يُتقن بيداغوجيا التّواصل جيّدًا، ويُحسن تقديم المعلومات ويُكيّفها ويُبسّطها، ويُيسّر عمليّة التّمدرس بصفة عامة، ويرتقي بكلّ المستويات، كما يقنع الأستاذ المتعلّمين بأنّه على استعداد دائمًا إلى ابتكار الطّرق التّعليميّة من أجل تحقيق المصالح المشتركة، وتجديدها والبحث عن أفضلها، فهو ليس أستاذًا خشبيًا لا يتغيّر، أو دينصورًا يفرض نفسه على الآخرين. إنّ الأستاذ في الحصّة الأولى يحدّد أهداف برنامجه للتّلاميذ بوضوح، ويقدّم لهم صورة شفّافة عن نفسه حتّى لا يخطئوا في التّعامل معه، ويجمع صورًا أوّليّة لهم حتّى يدرك ما هو مقدم عليه في قادم الأيّام.
publié par عبدالوهاب الشتيوي @
01:47 0 commentaires
Qui êtes-vous ?
Nom : عبدالوهاب الشتيوي
Afficher mon profil complet
Liens
Google News
Edit-Me
Edit-Me
Messages blog précédents
توصيف المادة
Archives
mai 2008

AbonnementMessages [Atom]This is a paragraph of text that could go in the sidebar.
-->

صورتا مدرّسين علقتا بذاكرتي

لا زلت أذكر جيّدًا ما قاله لنا أستاذ علوم التّربية يومًا مقدّمًا لنا الطّريقة المثلى لنجاح المدرّس في مهنته: "تذكّروا صورة مدرّس سلبيّ وحاولوا تجاوزه وعدم تقليده في سلوكه التّربوي والتّعليمي السّلبيّ، وتذكّروا صورة المدرّس النّاجح وافعلوا مثلما كان يفعل، وحاولوا أيضًا أنْ تحسّنوا المردود". فوضعت هذه القاعدة نصب عينيّ، ولذلك فإنّني مازلت أذكر صورة معلّم درّسني في التّعليم الابتدائي لمدّة أربع سنوات كاملة في مادة الفرنسيّة، إنّ هذا المعلّم لك يكنْ يقدّم لنا شيئًا يُذكر، بل إنّه كان يقصّ علينا قصصًا خرافيّة لا علاقة لها بالدّرس والمدرسة، وكمْ كنّا سعداء في تلك الفترة بما كان يفعل لسذاجتنا وعدم إدراكنا وظيفة المدرّس والمدرسة الحقيقيّتين، بل إنّ معلّمنا هذا كان يطالبنا بالمجيء إلى المدرسة خارج أوقات الدّروس الرّسميّة مدّعيًا أنّ يقدّم لنا دروس دعم وتدارك مجانيّة، وكمْ أولياؤنا أيضًا سعداء بما كان يفعل معلّمنا وذلك لغياب الوعي ولجهل أغلب الأولياء في فترة السّبعينيّات، أمّا عن طريقته التّدريسيّة فهي تقوم على ممارسة الأساليب البوليسيّة، ومعاملة التّلاميذ بطريقة إرهابيّة، فمنْ يخطئ منّا يعاقبه عقابًا شديدًا بالضّرب على يديه أو رجليه، والسّخرية منه، ونعته بأبشع النّعوت والصّفات، بل إنّه ليطلق عليه اسمًا جارحًا يلتصق به بقيّة مشواره التّعليمي، ويصبح به محلّ سخرية التّلاميذ وغيرهم من النّاس الذين يعرف، إنّ هذا المدرّس حقّق في نظري الفشل الذّريع ويكفي أنْ أذكر أنّ النّتائج التي كانت المدرسة تحصل عليها في امتحان ختم الدّروس الابتدائيّة كانت هزيلة جديدة، فكمْ من سنة ينجح تلميذ واحد في اجتياز الامتحان بنجاح من فصل فيه ثلاثون تلميذًا. كما يكفي أنْ أقول إنّني حصلت في أوّل امتحان في التّعبير الكتابي الفرنسي في السّنة الأولى من التّعليم الثّانوي على واحد من عشرين، وأذكر أنّ الأستاذة صعقن من هذا العدد المتدنّي.
وعكس ذلك تمامًا مازلت أذكر جيّدًا أستاذًا درّسني بالجامعة أعتبره المثل الأعلى في حياتي التّعليميّة وفي وظيفة التّدريس، بل قد لا أبالغ إنْ قلت في حياتي الاجتماعيّة، إنّ هذا الأستاذ محبّ لعمله بدرجة لا توصف، يجتهد ويثابر ويقدّم باستمرار كلّ المعارف الضّروريّة، والوثائق الممكنة، والمراجع الأساسيّة، وفي صورة عدم توفّر المرجع في مكتبة الكليّة أو في الأسواق فإنّه يقدّم لنا نسخته الأصليّة لكي ننسخ منها ما شئنا، وهو يؤمن بالحوار في كلّ المسائل المتعلّقة بالدّرس والمادة، وكلّ ما له صلة بعلاقتنا به في القسم، إنّه ينصت إلينا جادًّا، ويردّ علينا مجتهدًا، ويمازحنا كلّ ما أمكن، ويردّ على أسئلتنا وملاحظاتنا بكلّ لطف وأدب، فلا ينفر ولا يتعصّب لرأيه، ولا يحطّ من المعنويّات، بل إنّه وإنْ كان غير موافق على ملاحظة أحد الطلاّب فإنّه يخاطبه بلباقة داعيًا إيّاه إلى إعادة النّظر في تلك المسألة. وإذا ما احتاج إلى الأمثلة في الدّرس فإنّه يلجأ إلى الأمثلة المعيشة من الواقع ويقرّب الصّورة من ذهن الطّالب فتنجلي المسألة للجميع، وكان يبدأ الحصّة بالتّحيّة والتّحاب ويختمها بالدّعاء لنا بالنّجاح الباهر، وينصرف أحيانًا إلى التّوصيات العامة المتعلّقة بالدّراسة أو اجتياز الامتحان، مقدّمًا لنا الخطوات الأولى والمبادئ الأساسيّة لتحصيل المعرفة من بابها الصّحيح، وتحقيق النّجاح. فشكرًا لهذا الأستاذ المتميّز، ورجائي له بدوام الصحّة والنّجاح والتّوفيق والتّقدّم في مدارج العلم والعرفان.

jeudi 22 mai 2008

أهلا بكم في موقع عبد الوهاب الشتيوي

عبد الوهاب الشتيوي، أستاذ تعليم ثانوي،
طالب مرحلة ثالثة في الأدب العربي، مولود في أوت 1968 بصفاقس،
خريج كليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس سنة، 1994،
درّست بالمعهد الثانوي بالمطويّة من ولاية قابس مدّة أحد عشر عامًا،
شاركت في بعض الأنشطة الثّقافيّة، وقدّمت بعض المداخلات في المطويّة وقابس وصفاقس. متزوّج ولي طفلان هما علي وعدنان.
نجحت هذه السّنة في السّنة الأولى من ماجستير الأدب العربي.
أعتزم البحث في الشّعر العربي الحديث.أصدرت مجموعة من الكتب في الدراسات الأدبيّة،
شعاري في العلم "لا تقل كما قيل واطلع مكان الشمس" وهذه القولة للمرحوم صالح القرمادي،
ومبدئي رفض المسلمات والبديهيات، وعشق الأدب، والبحث عمّا هو سحري فيه، يحقق له الخلود، أدعو إلى تجديد المناهج باستمرار،
أصدرت تسع كتب نقديّة تناولت مجموعة من الأدباء العرب القدامى والمحدثين، وتوزّعت بين الشّعر والنّثر...