عبد الوهاب بن علي الشتيوي

Membres

samedi 16 mai 2009

طه حسين

ما انفكّت البشريّة تنجدب أعلام الثّقافة والعلم والفكر الذين خلّدوا أسماءهم في التّاريخ بأحرف من ذهب، وذلك لما قدّموه من إنجازات، حقّقت للبشريّة التّقدّم، وحقّقت لهم الذّكر على امتداد التّاريخ الإنسانيّ الطّويل، إنّ هؤلاء الأعلام جنّدوا عقولهم واستثمروا أفكارهم، وخصّصوا حياتهم لخدمة الإنسانيّة في كلّ مكان وزمان دون أنء ينتظروا جزاءً ماديًّا، بل إنّهم لم يكونوا يفكّرون إلاّ في تحقيق المصلحة الجماعيّة، وإنّ المتصفّح لكتاب التّاريخ ليجد أمثلة كثيرة تجعل الإنسان فخورًا بهم، ومستفيدًا من أعمالهم الخالدة في الأدب والفكر والعلم، كما أنّ هؤلاء الأعلام الأفذاذ لا يرتبطون في ما أنجزوا بعصر أو بأمّة باعتبار أنّهم كانوا مؤمنين بأنّ الأدب والعلم والفكر مكوّنات ومنجزات تتجاوز حدود التّاريخ والجغرافيّا، كما تتجاوز الحدود العرقيّة والدّينتيّة، ومن هؤلاء الأعلام يمكن أنْ نذكر الأديب العربيّ العالميّ طه حسين.فكيف كانت صفات طه حسين؟ وما هي المنجزات التي ساهم في تخليدها، وبها نفع أمّته والبشريّة؟ينحدر طه حسين من بيئة قرويّة مصريّة ضعيفة البنية الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، ومن عائلة كثيرة عدد الأفراد، محدودة الإمكانيّات الماديّة، وممّا زاد في ضعفه أنّه أصيب بالرّمد في طفولته ففقد بصره بعد أنْ عالجه حلاّق القرية علاجًا رعوانيًّا ذهب ببصره، وأدخله حياة الظّلمة. ثمّ دخل إلى كتّاب القرية وحفظ القرآن في التّاسعة من عمره، ولم يمنعه عماه من أنْ يكون طموحًا يطارد العلم في كلّ مكان، ويتوق إلى أنْ يصبح صاحب شأن وقامة عالية في العلم والفكر، فرحل مع أخيه الأكبر إلى القاهرة لينضمّ إلى الأزهر وتعلّم العلوم الشّرعيّة، لكنّ هذا العلم الأزهريّ لم يرق له، ووجد شيوخًا غير أكفّاء لأنْ يكون قدورة له، فهم متخلّفون في تفكيرهم وطرقهم العلميّة رغم عظمة العلوم التي يدرّسونها، فانفصل من الأزهر لينضمّ إلى الجامعة المصريّة حين فتحت أبوابها في بداية القرن العشرين، ومن هناك انطلق إلى أوروبّا في أوّل بعثة علميّة، وفي فرنسا انفتح له أبواب العلم على مصاريعها، وتعرّف إلى الأنوار، وبدأ يشعر بأنّه بدأ فعلاً يقاوم محنة العمى، ويطرد إحساسه بالنّقص والضّعف.وعاد إلى مصر بدكتوراه في التّاريخ المعاصر، وانضمّ إلى أسرة التّدريس في الجامعة المصريّة الفتيّة، وبدأت أفكاره وكتبه تشغل النّاس، وتزعزع الأرض تحت أقدام التّقليديين. ومن أهمّ ما ألّف كتابيه في الشّعر الجاهليّ والأدب الجاهليّ اللّذين يثبت فيهما أنّ الأدب الجاهليّ فيه كثير من التّزوير والتّحريف والنتحال، ودعا العرب إلى إعادة قراءة أدبهم القديم، وتنقية الأصيل من المزوّر، كما ألّف كتاب ّعلى هامش السّيرةّ الذي يسلّط فيه الأضواء على السّيرة النّبويّة المجيدة الطّاهرة، ويُبرز عظمتها في التّاريخ البشريّ، ويدافع عن الإسلام والمسلمين تجاه الأقاويل الغربيّة، فكثير من المستشرقين (علماء غربيّون درسوا الثّقافة العربيّة) يتّهمون الإسلام بالعنف، ويجعلون دين غزو وسبي، ويعتبرون الحضارة العربيّة الإسلاميّة حضارة سيف وقتل، كما ألّف كتاب ّمستقبل الثّقافة في مصرّ الذي يدعو فيه إلى تعصير التّعليم والاستفادة من العلوم الغربيّة الحديثة، معتبرًا أنّ التّعليم أساس التّقدّم، وهو الحجرة الأساسيّة بالنّسبة إلى ثقافة أيّ أمّة تنشُد التّقدّم والتّطوّر، ويثبت أنّ على العرب أنْ يطوّروا التّعليم لكي يتمكّنوا من تحقيق النّهضة المنشودة. وقد استفاد كثير من العلماء والمفكّرين من آراء طه حسين في هذا الكتاب.ويمكن أنْ نذكر رواياته وقصصه التي تحضّر دائمًا على التّضحيبة والكفاح والصّبر من أجل خلق التّفوّق، وطرد الضّعف عن الإنسان فردًا ومجموعة.ولا يمكن أنْ نغفل في النّهاية كتابه ذا الأجزاء الثّلاثة "الأيّام" وهو فصول من سيرته الذّاتيّة منذ الطّفولة حتّى بلوغه سنّ الكهولة وعودته إلى مصر من فرنسا، وفي هذه السّيرة الذّاتيّة يؤرّخ لحياته الشّخصيبّة المليئة ضعفًا وعجزًا، وصبرًا وكفاحًا، ونضالاً وعزيمةً، واحتياجًا واكتفاءً، وطموحًا وعملاً وإنجازًا، ولعلّ العرب اليوم لا يذكرون طه حين المتوفّى سنة 1973 إلاّ باعتباره علمًا كبيرًا من أعلام الفكر والأدب، ومن مشاهير الإنسانيّة الذين يجب أنْ نفتخر بهم، ونجعلهم قثدوة ومثلاً أعلى لكي نبلغ أقصى درجات المجد، ونكفّ عن الاقتداء بأشباه المشاهير الذين نراهم اليوم في شاشات التّلفيزيون، والذين يساهمون في تشويه سمعة العرب والمسلمين بما يقدّمون من بساطف في التّفكير، ومن تعدّيهم على الحُرمات الأخلاقيّة والقيميّة.

Aucun commentaire: